جاري تحميل الصفحة
مدارس المهدي
الادارة

الادارة

ادارة موقع مدارس المهدي

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
 
زار وفد من مديرية الإشراف التربوي في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم متحف صحف القرآني، وهو معرض يهدف إلى التعريف وحفظ كل ما يتعلق بالقرآن الكريم كتابًا وأدوات، وإلى التعريف بالتراث الحضاري الغني للمجتمعات الإسلامية ليعيد الارتباط بالمصحف الشريف نظرًا وقراءةً وتدبرًا. وقد جال الوفد الذي ضم مدير المديرية الدكتور غالب العلي ويرافقه فريق وحدة اللغة العربية الذي يضم كُلاً من الدكتور وائل جزيني، الأخت ماجدة الموسوي، والأخت صفاء الزين، على أقسام المتحف، حيث قدم سماحة الشيخ علي خازم شرحًا وافيًا، هذا وبحث الوفد مع سماحته سبل استثمار المعرض وتوظيفه في سياقات العملية التعليمية.
 
 
 
 

 

كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) خلال لقائه الآلاف من طلاب المدارس والجامعات في تاريخ  1/11/2023 

بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

أيها الأعزاء، الشباب واليافعون، إنّ لقاءكم لقاءٌ مفعم بالبركة والحماسة والمعاني. أتوجه بالشكر إلى الذين قدّموا الفقرات من إلقاء كلماتٍ وإنشادٍ وتلاوة القرآن، وكذلك مقدّم المراسم المحترم.

بين هذه الحوادث الثلاث في 13 آبان (4 تشرين الثاني/نوفمبر)، وجّه الأمريكيون ضربة إلى الشعب الإيراني في حادثتين، وفي حادثة، وجّه الشعب الإيراني ضربة إلى الأمريكيين. هاتان المناسبتان اللّتان كانتا ضربة وجهتها أمريكا إلى الشعب الإيراني إحداهما نفي الإمام [الخميني] في 13 آبان 1343 (4/11/1964) بسبب معارضته «الكابيتولاسيون». «الكابيتولاسيون» مصطلحٌ سياسي معناه أن يتمتع موظفو دولة ما بالحصانة في دولة أخرى، أي إن ما جرى إقراره في إيران على يد الحكومة البهلوية الخائنة هو أن يتمتع الموظفون الأمريكيون في إيران بالحصانة، ما يعني ألّا يُحاكموا في المحاكم الإيرانية على أيّ جريمة يرتكبونها. كان هذا هو «الكابيتولاسيون». إنه من بين أكثر القوانين مَذلّةً، فإذا افترضتم أن أميركيًا يسكر ويقود سيارة في الشارع ويدهس عشرة ويقتلهم، فلا يحق للمحاكم الإيرانية محاكمته [بل] ينبغي إرساله إلى أمريكا ليُحاكَم هناك. لقد أقرّوا هذا القانون في الحكومة البهلوية وارتفع صوتٌ لمعارضة هذا القانون - صوت جهور - هو صوت الإمام الجليل الذي وقف وألقى خطابًا وقال: نحن لا نرضخ لهذا القانون،[2] فكانت النتيجة اعتقال الإمام يوم 13 آبان ونفيه من إيران. لذلك كان هذا العمل من فعلة الأميركيين، ما يعني أنّهم مَن وجّهوا الضربة إلينا.

 

الضربة الثانية قتل تلاميذ المدارس. خلال أيام ذروة الحركة الثورية للشعب الإيراني، إذْ لم تكن الثورة ضد بهلوي فقط بل ضد بهلوي وأمريكا، ارتكبت شرطة الطاغوت، شرطة الشاه، مجزرة بحق تلاميذ المدارس هنا أمام جامعة [طهران] هذه. انهالوا عليهم بوابل الرصاص فجزّروا في عدد من التلاميذ. كانت هذه في 13 آبان أيضًا. إذًا، هاتان الحادثتان كانتا ضربة وجّهها الأمريكيّون إلينا وإلى الشعب الإيراني.

بعد عشرة أشهر من انتصار الثورة الإسلامية، في 13 آبان 1358 (4/11/1979)، ذهب الطلاب واقتحموا السفارة الأمريكية وسيطروا عليها، وكشفوا أسرار تلك السفارة ووثائقها السرية. أُريق ماء وجه أمريكا. وكانت هذه ضربة الشعب الإيراني لأمريكا. هذه هي الحوادث الثلاث.

حسنًا، ما أريد قوله: يا شباب اليوم، يجب أن يكون لديكم تحليل للقضايا المختلفة؛ لا تكفي العواطف فقط. سأشرح ما أقصده بهذا الكلام. يجب أن يكون لديكم تحليل لأساس الثورة الإسلامية. ينبغي أن يكون لديكم تحليل لقضية «الدفاع المقدس»، حرب السنوات الثماني، وكذلك يجب أن يكون لديكم تحليل للقضايا المختلفة في الثمانينيات، وأن يكون لديكم تحليل للانحرافات في التسعينيات، وأن يكون لديكم تحليل للأحداث المختلفة في العقدين الأخيرين، أي أن تعلموا وتشخّصوا ماهية الحادثة، ومن أين بدأت، ومن وراء هذه الحادثة، وما نتيجتها؛ كذلك يكون التحليل.

الآن أريد أن أطرح مسألة هي مواجهتنا مع أمريكا. حسنًا، منذ ساعة وأنتم ترددون الشعارات ضد أمريكا - لا شك في ذلك - ولكن ما المسألة؟ ما مشكلتنا مع أمريكا؟ الأميركيون أنفسهم ينسبون عداوتهم للشعب الإيراني إلى مسألة السفارة – التفتوا! إن هذا [الموضوع] الذي أتحدث عنه مبنيّ على التنبّه والاطلاع على ما يجري وما يرومون فعله، وأريد منكم، أيها الشباب الأعزاء، أن تنتبهوا – وهناك أشخاص أيضًا يتبعونهم ويكررون الشيء نفسه. ماذا يعني ذلك؟ أي يقولون: يا رجل! السبب في أنّ أمريكا تفرض الحظر على إيران وتخاصمها وتثير أعمال الشغب فيها وتفتعل المشكلات، وهذه العداوات بين أمريكا وإيران، هو أن طلابكم ذهبوا وسيطروا على السفارة الأمريكية.هذا ما يقوله الأمريكان و«مَن يتبع» أولئك في الداخل أيضًا. خلال رئاستي الجمهورية، أجرى مقابلةً معي صحافي ومحاور مشهور في أمريكا يومذاك في نيويورك، وكان أول قول له هو أن الخلاف بيننا وبينكم جرّاء دخولكم سفارتنا والسيطرة عليها. يريدون أن يُرسّخوا هذا [في حين] أنه كذبة كبيرة؛ ليست هذه هي القضية. قبل 26 عامًا من حادثة السفارة، وقع انقلاب «28 مرداد» (19 آب/أغسطس). حسنًا، لم يكن قد ذهب أحد إلى السفارة في ذلك اليوم! سنة 1332 (1953م)، أطاح الأمريكيون في إيران بحكومة وطنية مستقلة غير تابعة لأمريكا، عبر انقلاب إجرامي ظالم؛ هذه هي عداوة الأميركيين. لذا، إن عداء أمريكا للجمهورية الإسلامية، وللشعب الإيراني، ولإيران الإسلامية، لا علاقة له بمسألة السفارة.

أثبتت الوثائق التي تأتَّت من السفارة – أنتم تعلمون بداية: ذهب الطلاب الجامعيون وجلبوا الوثائق، وكان الأميركيون قد رموا عددًا كبيرًا من هذه الوثائق في آلة تمزيق الورق، وجلس الطلاب بمنتهى الصبر، ولصقوا مِزَق الورق هذه بعضها ببعض، وهذه المذكرات تشكل الآن ما بين سبعين مجلدًا إلى ثمانين من الكتب – أثبتت أنَّه منذ تلك الأيام الأولى لِما بعد انتصار الثورة كانت السفارة الأمريكية مركز التآمر على إيران والتجسس عليها. حتَّى إنَّه كان يجري في السفارة التخطيط لانقلاب، أي أنْ يُدبِّروا انقلابًا ضد الثورة، وكان يُخطط لحرب أهلية، ويسعون لإضرام حرب أهلية في المحافظات الحدودية للبلاد، وكان يُخطط لكيفية اختراقهم الحكومة الثورية الجديدة، وكانوا يديرون وسائل الإعلام المناوئة للثورة في الداخل، وكانوا يقودونها: لتكتبوا هذا، ولتقولوا هذا، ولتختَلِقُوا هذا، ولتبثوا هذه الشائعة، وكذلك كانوا يخططون للحصار. أي إنَّ السفارة منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة كانت مركز التآمر على البلاد والثورة. لذا لا علاقة لعداوة أمريكا بالاستيلاء على وكر التجسس [السفارة]، فقد كانوا بدؤوا نشاطاتهم ضد الثورة قبل ذلك بمدة طويلة.

إذًا، ليست المسألة كما يوحي الأمريكيون، ولا كما يروِّج بعضهم في الداخل، وهم سُذَّج أو لأسباب ودوافع مختلفة: يا سيِّد، إنَّ سبب أنَّكم ترون قوَّة عظمى كأمريكا تمارس كل هذا النشاط ضد الجمهورية الإسلامية هو أنَّكم ذهبتم في الوقت الفلاني واستوليتم على سفارتهم. كلا، هذه ليست هي المسألة. فما القصة؟ لكي يتسنى لنا فهم القضية على نحوٍ أكثر جذريَّةً، فلنرجع قليلًا إلى الوراء. أودُّ وأرغبُ أن تشتغلوا - أيها الشباب واليافعون - على هذه القضايا بدقَّة وتفكير لأنَّ الغد ملكٌ لكم، وأنتم سواعد تقدُّم البلاد، والبلاد ملكٌ لكم، وعليكم أن تمضوا قُدُمًا. فلنمضِ قليلًا أكثر عمقًا ولنُقيِّم القضايا.

بدأ موضوع نفوذ الغربيين في إيران انطلاقًا من بريطانيا، فهم أوَّل من قَدِمَ إلى إيران. بالطبع، تغلغلوا في حكومة القاجاريين منذ 1800 ميلادي، ووسَّعوا نفوذهم بالتدريج. كان هدف البريطانيين أن يفعلوا في إيران ذلك الأمر عينه الذي فعلوه في الهند. أنتم تعلمون أنَّ الهند كانت نحو 150 عامًا في قبضة إنكلترا، وأنَّ البريطانيين سلبوا الهند رمقها، فالقسم الأعظم من ثروة البريطانيين ناجم عن استعمار الهند، وهذا الأمر نفسه قصة طويلة. كانوا يريدون فعل هذا الأمر نفسه في إيران، أي أن يبدؤوا أولًا من مكان صغير، ثم يتوسَّعوا بالتدريج ويسيطروا على الموارد الاقتصادية للبلاد، وبعد أن يكون اقتصاد البلاد قد صار في قبضتهم، تغدو الهيمنة السياسية سهلة عليهم، وهذا بالضبط على غرار العمل الذي أقدموا عليه في الهند. بداية أطلقوا في الهند شركة «الهند الشرقية»، وبعد أن تقدَّمُوا، سيطروا على حكومة الهند، وباتت البلاد جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، وكان الوضع على هذا النحو نحو 150 عامًا. الطبيعي أنهم كانوا يريدون في إيران كذلك الإقدام على هذا العمل نفسه. فمن أوائل الأعمال التي عمدوا إليها موضوع احتكار التنباك – بطبيعة الحال، سمعتم باسم «ثورة التنباك» - ليكون احتكار زراعة تنباك البلاد وبيعه وشراؤه بيد البريطانيين. لم تعِ الأجهزة الحكومية لذلك العصر – عصر ناصر الدين شاه –معنى هذا الأمر، وقبلوا. أدرك الميرزا الشيرازي، مرجع الشيعة للتقليد، في سامراء، ما وراء القضية، وبفتوى واحدة، ألغى هذه الاتفاقية وقضى عليها. كان هذا أول عمل لهم، وبطبيعة الحال، لم يتحقق. كان هنالك اتفاقات مختلفة من هذا القبيل واحدة إثر أخرى، ومن أهمها الاتفاقية المعروفة بـ«وثوق الدولة»، فعام 1919 ميلادي و1299 هجري شمسي، أعطى البريطانيون رشوة ضخمة لرئيس وزراء إيران إذّاك[3] وأبرموا هذه الاتفاقية. كانت «وثوق الدولة» تضع اقتصاد إيران وسياستها وجيشها ونظامها وكل ما تملكه تحت تصرف البريطانيين. وقد أُبرمت أيضًا هذه الاتفاقية، لكنَّ الشهيد مدرِّس تصدَّى وحيدًا في «مجلس الشورى الوطني» آنذاك لها، وفضح الأمر، ولم يسمح بأن يصل إلى نتيجة، وأُلغيت هذه الاتفاقية أيضًا. كان هنالك اتفاقات أخرى كذلك – من قبيل «رويتر» وغيرها – وأُلغيت أكثر هذه الاتفاقات على يد علماء الدين وقُضي عليها وحِيل دونها.

بالطبع، أخذ أيضًا البريطانيون ثأرهم من علماء الدين في ما بعد، ورأت الحكومة البريطانية أنه لا يمكن [العمل] بهذا الأسلوب، وأنَّ المخطط الذي طبَّقوه في الهند ليس عمليًا في إيران، فوصلوا إلى حلٍّ – التفتوا جيدًا – هو أنَّهم فكروا في أنَّه ينبغي أن يأتوا إلى السلطة في إيران بحكومة ديكتاتورية قمعية مرتهنة لهم مئة بالمئة لكي لا يكون لديهم هاجسٌ بعد، ولكي يُنفَّذ في إيران كل أمر يريدونه عبر تلك الحكومة نفسها. فعثروا على رضا خان العسكري، وكانوا يعرفونه، واكتشفوه. رضا خان هو ذلك الذي كان يحتاجه البريطانيون، فقد كان عديم الرحمة وعنيفًا جدًا ووقحًا وعاميًّا وأميًا للغاية في ما يتعلق بالمعارف وفاقد المعرفة بها، وسلوكه سلوك الأوباش، وعديم التقوى والإيمان. عثروا على مثل هذا الشخص. استغلوا ضعف ملك القاجار أحمد شاه ودبَّروا انقلابًا في إيران عبر رضا شاه وفرد آخر – السيد ضياء الطباطبائي الذي نَحَّوه لاحقًا جانبًا – وبداية جعلوا رضا خان قائدًا عامًا للقوات المسلحة، ثم رئيسًا للوزراء، ثم ملك إيران، وتحقَّق في البلد ذلك الشيء الذي كان يريده البريطانيون.

بالطبع، كان أول عمل أقدموا عليه على يد رضا شاه هو قمع علماء الدين وبثّ الرعب في قلب الشعب.أخافوا الشعب بشدَّة، فكما ذكر لنا آباؤنا والأكبر منَّا لم يكن أحد يجرؤ على التنفس في عهد رضا شاه. حتى إنَّه لم يكن ليجرؤ أحد على انتقاد رضا شاه في غرفة الاختلاء، أو حتى بين اثنين إلى ثلاثة من أفراد الأسرة لم يملك أحد الجرأة [على انتقاده]! بثَّ الرعب في قلوب الشعب إلى هذه الدرجة، وجعل العلماء جليسي البيت، ونزع العمامات من على رؤوسهم، وعطَّل الحوزات العلمية. حتى إنه عارض علنًا أحكام الدين من قبيل الحجاب، وفعل في إيران ذلك الأمر الذي كان يرغب البريطانيون في تحقيقه فيها، أي التحكُّم في الموارد المالية والاقتصادية. فعل كل شيء وأمر يريدونه. بالطبع، فلأُشِرْ ههنا إلى أنَّ عدَّة من المتنورين المتغرّبين أو التابعين للغرب – لم يكن جميعهم أو حتى بعضهم تابعين لكن كانوا متغربّين ومنبهرين بالغرب – كان لهم دور في تلوين حكومة رضا خان وتدهينها. هؤلاء أيضًا مؤاخذون عند الله، وأولئك المتنورون الذين لا أريد ذكر أسمائهم هم شركاء مع رضا شاه في الجريمة بحقِّ الشعب الإيراني. هذا الأمر موجود أيضًا.     

إذًا، صار رضا شاه عنصر بريطانيا في إيران، ونشبت الحرب العالميّة الثانية خلال هذه المرحلة. في هذه الحرب، انحاز رضا شاه انطلاقًا من طبيعته إلى ألمانيا. كان يحبّ ممارسات هتلر فانحاز إلى الألمان، وأدرك البريطانيّون هذا واكتشفوا أنه لم يعد منه فائدة [ولذلك] نحّوه عام 1941م عن الحكم. هم جاؤوا به وهم أزاحوه أيضًا. أزاحوه وجعلوا مكانه ابنه وفق شروط معيّنة: يجب أن تفعل كذا وتتصرّف على هذا النّحو، فقال: سمعًا وطاعة. حتّى إنّهم قالوا له: ينبغي ألّا تستمع للإذاعة الفلانيّة، فقال: سمعًا وطاعة. إلى هذا الحدّ! أي كانت هيمنة بريطانيا قائمةً حتى هذه المرحلة.

بدأ الأفول التدريجي لقوّة بريطانيا في الأربعينيات. ناضل [الناس] فتحرّرت الهند وبعض الدول الأخرى في أفريقيا وغيرها، فضَعُفَت بريطانيا، وأدّى ضعفها إلى دخول أمريكا الميدان. وطأت أمريكا بقدمها إيران في أواسط الأربعينيات، بداية على نحو ملائم وبوجه بشوش عبر «النقطة الرابعة من مبدأ ترومان»[4] وأمور فيها تفاصيل كثيرة. حتى إنّها دعمت في بعض الحالات الأصوات المعارضة للبريطانيّين أيضًا من أجل أن تجذب الأنظار إلى نفسها، وللأسف، استطاعت أن تجعل بعض السياسيّين غير التابعين لبريطانيا تابعين لها وراغبين فيها. كانت تصرّفات أمريكا كذلك في إيران. بداية دخلت بأسلوب ناعم وتظاهرت بأنّها لا تنوي ممارسة الاستعمار في البلاد. سار الأمر على هذا المنوال إلى أن استلمت الحكومة الوطنيّة زمام الأمور، أي حكومة مصدّق. بالمناسبة، كان مصدّق يُحسن الظنّ في أمريكا نتيجة بساطته أو إهماله أو سذاجته. قولوا ما شئتم. كان مصدّق معارضًا لبريطانيا ويعقد الآمال على دعم الأمريكيّين! هكذا عقد الآمال على مساعدات الأجانب. عندما استلمت هذه الحكومة زمام الأمور واتّضح أنها غير تابعة لأمريكا ولا إمكانيّة لذلك، أطلق الأمريكيّون انقلاب الثامن والعشرين من شهر مرداد (19/8/1953) وأطاحوا بالحكومة وتسبّبوا في كثير من الكوارث في إيران.

ثمّ بعدما انكشف القناع عن وجه الأمريكيّين واتّضح أنّهم ليسوا حكومة صديقة لإيران ولا تحمل نيات خيّرة، فعلوا كلّ ما في وسعهم. أمسك الأمريكيّون زمام البلاد وجعلوها تابعة لهم من النواحي السياسيّة والاقتصاديّة كليًا، وأفسحوا المجال أمام دخول الكيان الصهيوني إلى إيران – الأمريكيّون هم من فعلوا هذا وأفسحوا المجال أمام حضور الأمريكيّين في إيران – وأسّسوا «السافاك». كان «السافاك» مقرًّا لممارسة أنواع العُنف والقسوة كافة تجاه الناس المعترضين والمعارضين، والقمع بلا رحمة لأدنى أنواع المعارضة. وقعت هذه الأمور كلّها خلال هيمنة الأمريكيّين، والأمر يعود إلى العقدين الخامس والسادس [الميلاديين] وأمثالهما. أيضًا جاؤوا بآلاف من المستشارين العسكريّين إلى إيران وحمّلوا شعبها تكاليف إدارتهم الباهظة. كان شراء الأسلحة ضمن نطاق صلاحيّاتهم، فممّن يشترونه وبأيّ سعر وكيف يسلّمون الأموال ويستلمون الأسلحة... كلّ هذا كان في عهدة الأمريكيّين وضمن نطاق صلاحيّاتهم، وكذلك إشاعة الفساد بمنهجية، أي بلغت ذروتها في العقدين الخامس والسادس – بلغت الذروة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات – وكان الفساد الأخلاقي يُروّج بتخطيط دقيق من الأمريكيّين في إيران من أجل أن يجرّوا الشباب نحو الفساد. حسنًا، من الواضح أنّ الشاب الذي يُجرّ نحو الفساد لن يملك القدرة على الصّمود ولا المقاومة. هؤلاء أرادوا جعل الشابّ الإيراني عديم الفائدة. أيضًا هناك التخلّف في العلم وأنواع التكنولوجيا مع التقدّم في الفساد الأخلاقي، وشدّة التمييز الطبقي بصورة مرعبة. هذه الأمور كلّها وقعت في إيران خلال حُكم الأمريكيّين ونفوذهم فيها. 

لقد واصلوا هذا العداء، ثمّ بعدما بلغت الحركة الثوريّة ذروتها، شعروا بالخطر وضاعفوا شدّتهم في العمل، فقبل قرابة أسبوع من انتصار الثورة الإسلاميّة، جاء جنرالٌ أمريكيّ بارز يُدعى هايزر إلى طهران لكي يُحدث انقلابًا في حال استطاع ذلك، ويقتل مئات الآلاف بل الملايين. هذه نيّتهم، وهذا ما كان ينوي هايزر فعله. طبعًا كانت الثورة قد بلغت مرحلة لا تترك مجالًا لتأثير تدابير هؤلاء. كان يقف في وجههم عزمٌ راسخ مثل الإمام العظيم. كانوا يريدون افتعال انقلاب وأعلنوا حكومة عسكريّة لكنّ الإمام قال للنّاس: انزلوا إلى الشّوارع، فأطاح بالحكم العسكري وأبطل مخططهم، ولهذا لحقت بهم الهزيمة.وجد هايزر أنه لا فائدة، فغادر إيران، وطبعًا لو بقي أربعة أيام أو خمسة أخرى، لكان من المحتمل أن يكون في عداد المعدومين الأوائل بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة. كان محظوظًا لأنه غادر في وقت أبكر.

حسنًا، هذه قضيّة إيران وأمريكا، وإنّ قولكم «الموت لأمريكا» ليس مجرّد شعار إنما نهجٌ ومسار. السّبب هو ما ذكرته: الأمريكيّون فعلوا كلّ ما استطاعوا طوال أعوام طويلة، أي منذ بداية الأربعينيات حتى انتصار الثورة الإسلاميّة، أي الأعوام الأخيرة من العقد السابع الميلادي من القرن الماضي، وفعلوا كلّ ما تمكّنوا من فعله ضدّ الشعب الإيراني على مدى ثلاثين عامًا في إيران، ووجّهوا الضربات ما أمكنهم من النواحي الماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعلميّة والأخلاقيّة. لقد انتصرت الثورة الإسلاميّة رغم هذه الأوضاع، ووقفت الثورة في وجه مثل هذا الحكم الفاسد والنفوذ المخرّب وانتصرت بتوفيق من الله وهمّة من الشعب الإيراني وقيادة الإمام [الخميني] العظيم.

الآن، ما أراد هايزر أن يفعله في إيران يفعله الأمريكيون في غزة. القضية هي تلك القضية نفسها، والآن يحدث هذا العمل عينه في فلسطين. الصهاينة المتسلطون على فلسطين المحتلة والمظلومة يتكئون على دعم أمريكا لهم. لولا دعم أمريكا ومساندتها بالسلاح، لكانت الحكومة الصهيونية الفاسدة والمزيفة والكاذبة قد قُضيَ عليها وزالت منذ الأسبوع الأول. الأميركيون يدعمون هؤلاء. واليوم تجري في غزة الأحداث نفسها التي كانوا سيفعلونها في إيران لو استطاعوا. إنّ الفاجعة التي تحدث على يد الصهاينة وبمساعدة الأمريكيين وفي الواقع بأيديهم هي فاجعة قلّ نظيرها. لقد قُتل على أيدي هؤلاء قرابة 4000 طفل في عضون ثلاثة أسابيع!أين تجدون مثل هذا في التاريخ؟ على الأمة الإسلامية أن تعرف ماهية القضية، وأن تشخّص الميدان. ليس الميدان ميدان غزّة و«إسرائيل»، إنّه ميدان الحقّ والباطل. الميدان ميدانُ الاستكبار والإيمان: في جانبٍ قوّة الإيمان وفي الطرف الآخر قوّة الاستكبار. طبعًا تبرز قوّة الاستكبار بالضغوط العسكريّة والقصف وارتكاب الجرائم والفجائع، [لكن] قوّة الإيمان ستتفوّق على هذه كلّها، بتوفيق من الله.

قلوبنا تعتصر دمًا بسبب مصائب شعب فلسطين وبخاصة غزّة، وإننا نتألم، ولكن عندما نمعن النظر، يتبيّن أن المنتصرين في هذا الميدان هم أهالي غزة وفلسطين، هؤلاء الذين استطاعوا أن يحققوا إنجازات عظيمة. أولًا استطاع أهالي غزّة بصبرهم وصمودهم ورفضهم الاستسلام إزاحة قناع حقوق الإنسان الكاذب عن وجوه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأمثالهم، وفضحوا هؤلاء. استطاع أهالي غزّة بصبرهم تحريك الضمير البشريّ. تلاحظون اليوم ما يجري في العالم، وفي الدول الغربيّة هذه، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا نفسها في مختلف الولايات، حيث يتوافد الناس بحشود غفيرة إلى الشوارع ضدّ «إسرائيل» ويُطلقون في عدد من الحالات الشعارات ضدّ أمريكا. لقد أريق ماء وجه هؤلاء. إنهم لا يملكون أيّ علاج حقًّا، ولا يمكنهم تبرير ذلك. لذا تجدون أنّ أبله يظهر ليقول: «إيران تقف خلف تجمّعات الناس في بريطانيا». لا بدّ أنّ «تعبئة لندن» فعلت هذا! «تعبئة باريس» أقدمت على هذا![5] من جملة الوقاحات التي يمارسها السياسيّون الغربيّون ووسائل الإعلام الغربيّة، وهي وقاحة حقيقيّة، أنّهم يُطلقون على المناضلين الفلسطينيّين اسم الإرهابيّينهل مَن يدافع عن بيته إرهابيّ؟ هل هو إرهابيّ الذي يدافع عن وطنه؟ يوم جاء الألمان في الحرب العالمية الثانية واحتلوا باريس، وقاتل أهالي باريس ضد الألمان، فهل المقاتلون الفرنسيون كانوا إرهابيين؟ فكيف يكونون مناضلين ومبعث فخرٍ لفرنسا في حين أن شباب «حماس» «الجهاد الإسلامي» إرهابيون؟ وقحون! لقد فضح أهالي غزة والمناضلون الفلسطينيون الكاذبين في العالم.

من الإنجازات المهمة التي حققتها [عملية] «طوفان الأقصى»[6] أنها أثبتت كيف تتمكن مجموعة صغيرة – هؤلاء قلّة مقابل أولئك؛ عددهم أقل - بوسائل وإمكانات قليلة جدًا، لكن بإيمان وعزم راسخ من أن تبخّر نتاج سنوات من جهود العدو الإجرامية وتذرها في الهواء في غضون ساعات قليلة، وتستطيع أن تذلّ الحكومات المتكبرة والمستكبرة في العالم. لقد أذلَّ الفلسطينيون الكيان الغاصب وكذلك الحكومات الاستكبارية الداعمة له بعملهم وشجاعتهم ومبادرتهم، واليوم بصبرهم. هذا درس عظيم. وبالطبع، هزت هذه الجرائمُ البشرية. لقد هزت الجميع.

قلت هذا قبل بضعة أيام[7] وأكرره الآن أيضًا: ما يُتوقّع من العالم الإسلامي أكبر. فلتعلم الحكومات الإسلامية أنه إذا لم تساعد فلسطين اليوم - كل شخص يستطيع بطريقة ما أن يساعد - فستكون بذلك قد قوّت عدو فلسطين، الذي هو في الواقع عدو الإسلام والإنسانية، وسوف يتهددهم هذا الخطر نفسه غدًا. إنّ ما ينبغي للحكومات الإسلاميّة أن تصرّ عليه هو الوقف الفوري لهذه الجرائم التي يرتكبها [الصهاينة] في غزة. يجب أن يتوقّف هذا القصف فورًا. فليُغلقوا مسار تصدير النّفط والبضائع إلى الكيان الصهيوني، ولتمتنع الحكومات الإسلاميّة عن التعاون الاقتصادي مع الكيان، وليستنكروا في المحافل العالميّة كافة وبصوت مرتفع هذه الجريمة وارتكاب الفجائع هذا، دون أيّ تردّد وبلا تلعثم. لا يكوننّ الأمر على هذا النحو: أن ينعقد تجمّع إسلامي أو عربي فيتكلّم بضعة من الذين يتكلّمون بأسلوب موارب أو بتلعثم. ليقولوا كلمتهم بصراحة كيّ يتّضح ما الذي يجري. ينبغي أن يُدان الكيان الصهيوني، ويجب أن يتعبّأ العالم الإسلاميّ بأجمعه ضدّ الكيان الصهيوني.

 

طبعًا إنّ الضربة التي تلقّاها الكيان الصّهيوني لا تُعوّض. هذا ما قلته في البداية وأؤكّده وأكرره الآن أيضًا. وقد ثبُتَ تدريجيًّا في تصريحات عناصر الكيان الصهيوني أنفسهم أنّ تلك الضربة التي تلقّوها ليست ضربة يُمكن تعويضها، ولا يستطيعون تعويضها. الكيان الصهيوني عاجز الآن ومرتبك، كما يكذب على شعبه، وما يُبديه من قلق بشأن أسراه كذب أيضًا، فالقصف الذي يمارسه يُبيد أسراه كذلك. حقيقة أنّهم يُبدون قلقهم على أسراهم تعني أنّهم يكذبون على شعبهم أيضًا. هذا الكذب ناجم عن العجز، فالكيان الصهيوني مصاب بالارتباك والعجز، ولا يعرف ماذا يفعل، وكل ما يفعله ناجم عن التخبّط، أي لا يُدرك ما عليه فعله. لو لم يكن عون أمريكا ولا يستمر، لكان الكيان الصهيوني سيصاب بالشلل في غضون بضعة أيام حتمًا.

يجب ألّا ينسى العالم الإسلاميّ أنّ مَن وقف في وجه الإسلام في هذه القضيّة المهمّة والمصيريّة، وأمام شعبٍ مسلم، وأمام فلسطين المظلومة، كان أمريكا وفرنسا وبريطانيا. لا بدّ ألّا ينسى العالم الإسلامي هذا الأمر. فليدركوا هذا. ينبغي ألّا ينسوا في علاقاتهم ومعادلاتهم وتحليلاتهم مَن وقف في وجه هذا الشعب المظلوم وهؤلاء الناس المظلومين وكان يمارس الضغط عليهم. ليس الكيان الصهيوني فقط.

طبعًا، ليس لدينا شك في {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}؛ إنه وعد إلهي. {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (الروم، 60)؛ احذروا من أن يزعزعكم ويوهنكم من ليسوا متيقّنين من وعد الله بنسجهم الأباطيل، واحذروا أن يوهنوكم. إنّ النصر النهائي وغير البعيد جدًّا سيكون حليف الشعب الفلسطيني وفلسطين، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] تحدّث في بداية هذا اللّقاء ثلاثة طلاب عن قضايا البلاد والأحداث الجارية في غزة.

[2] صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج. 1، ص. 415، خطاب في جمع من الناس، 26/10/1964.

[3] الميرزا حسن خان وثوق الدولة.

[4] إشارة إلى النقطة الرابعة من كلمة هاري ترومان (الرئيس الأمريكي) عام 1949 حين قال: «تتحمّل البلدان الغنيّة مسؤوليّة أخلاقيّة تحتّم مساعدة الدول الفقيرة».

[5] ضحك الحاضرون وتصفيقهم.

[6] بدأت فصائل المقاومة الفلسطينية السبت 7/10/2023 عملية واسعة تحت اسم «طوفان الأقصى» سقط خلالها عدد كبير من القتلى والجرحى والأسرى الصهاينة في الساعات الأولى.

[7] كلمة الإمام الخامنئي في 25/10/2023 خلال لقاء القائمين على المؤتمر الوطني لتكريم شهداء محافظة لرستان.

 

 
الأربعاء, 01 تشرين2/نوفمبر 2023 12:54

رزنامة شهر تشرين الثاني

أصدرت مديرية العلاقات العامة والإعلام في المؤسسة رزنامة شهر تشرين الثاني للعام الدراسي 2023- 2024 التي تعرض أبرز المناسبات والعطل خلال الشهر. 

 

 

زار وفد من المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم الإدارة العامة للهيئة الصحية الإسلامية وذلك لتعزيز اتفاقية التعاون والتكامل فيما بينهما. 
 
الوفد الذي ضم مدير مديرية العلاقات العامة والإعلام الحاج بلال فنيش، ومديرة معهد الرسول الأعظم(ص) في بيروت الأستاذة لينا الحاج حسين، والمدير التعليمي لمعهد السيد عباس الموسوي(رض) في بعلبك الأستاذ عبد الكريم مبارك، كان في  استقبالهم نائب المدير العام الحاج مالك حمزة، مديرة الصحة النفسية الحاجة ريما بدران، مدير مديرية الصحة الاجتماعية الأستاذ قاسم بيضون، ومدير مديرية بيروت الحاج علي شعيتو. 
 
 

 
تم خلال اللقاء التداول بالشأن التربوي والصحي وأُطر التعاون والتكامل بين المؤسستين بخاصة في موضوع الملف الطبي والاجتماعي والصحي في معاهد المهدي(ع).
 
   
 
 

باسمه تعالى

النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) خلال اللقاء مع النّخب وأصحاب المواهب العلميّة المتفوّقة في تاريخ 17/10/2023

  

بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أهلا وسهلًا بكم. أنا سعيد للغاية لأنني وفّقت مرة أخرى لعقد هذا الاجتماع مع مجموعة من النخب في البلاد. أتوجّه بالشكر إلى الأصدقاء على الموضوعات التي ذكروها (1). لقد تحدثوا عن موضوعات مهمة وذكروا نقاطًا جديرة بالملاحظة، ولكنني أودّ أن أقول شيئين عن تصريحات السادة.

أحدهما أن هذه القضايا كلها تقريبًا - ربما واحدة أو اثنتان استثناء - قضايا تنفيذية، والأمور التنفيذية يجب أن تتابعها الأجهزة التنفيذية. نحن سنتابع طبعًا، وسوف أوصي بهذه الأمور التي ذُكِرت - فلتدوّن وربما تلخّص أو تجري مراجعتها - وسوف ننقلها إلى المسؤولين المعنيين في السلطة التنفيذية، لكن اطرحوها في لقاءاتكم مع المسؤولين التنفيذيين في البلاد - لحسن الحظ لدينا رئيس نشيط، رئيس الجمهورية لدينا مثابر ويتابع الأمور - حتى تتحقق إن شاء الله. هذه نقطة.
 

النقطة الثانية أنه في مراحل ما كان هناك فجوة كبيرة بين النخب والمسؤولين الحكوميين. المسألة ليست كذلك اليوم. يوجد اليوم عدد كبير من الشباب - ومنهم أنتم وأمثالكم - في إدارات حكومية مهمة، بمستوى وزير أو معاونه، أو في الإدارات الوسطى. فلماذا لا تُنقل إليهم هذه الكلمات؟ الإخوة أنفسهم الذين وقفوا هنا مثلكم وأدلوا بآرائهم يحضرون اليوم في الهيئات الإدارية للبلاد – لا يزالون شبابًا وليسوا كهولًا أو كبارًا في السنّ، بل هم شبان مثلكم – فلماذا لا يتواصلون بعضهم مع بعض؟ ألا تتشكّل سلسلة؟ ألا تنتقل هذه الكلمات؟ فكّروا في حلّ لهذا الأمر في قطاعات البلاد المختلفة. في ما يخص موضوع السيارات مثلًا هناك كثيرون من الشباب النخبويين الناشطين في وزارة «الصناعة والمعادن والتجارة». اطرحوا موضوع السيارات هناك فهو مهم، أو من قبيل المواضيع الأخرى التي ذُكرت هنا مثل المناطق المحرومة. حسنًا، أسّست الحكومة قسمًا خاصًا للمناطق المحرومة،(2) ويعمل بعض الشباب هناك. حتى إنني أعتقد أن بعض الطلاب الذين لا يزالون طلابًا ينشطون هناك. فلتطرحوا هذه [المواضيع] معهم. يجب ألا يكون الأمر مجرّد إلقاء خطاب هنا. طبعًا نحن سنرتّب بناء على الأثر، إن شاء الله. سوف أوصيهم بمتابعة الأمر، وسنتابعه، وقد أطرح بنفسي بعض هذه المواضيع مع رئيس الجمهوريّة الموقّر، لكن أعتقد أن عليكم أن تكونوا أكثر عملانيّة في هذه المجالات، رغم أنّ الآراء جيدة جدًا.
 

 

حسنًا، في ما يتعلق بمسألة النخبوية والنخب والتقدّم العلمي، دوّنت هنا نقطتين أو ثلاثًا لأشير إليها. النقطة الأولى أنّ النهضة العلمية بدأت في البلاد قبل نحو عقدين أو أكثر بقليل، وكان لها أيضًا انطلاقة جيدة، أي أحدثت تحرُّكًا. أُطْلِق شعاران إلى ثلاثة في الأوساط الطلابية والجامعية من قبيل «تجاوز الحدود العلمية للبلاد» و«الحركة البرمجية». إن بضعة شعارات هذه التي أُطلقت هناك في تلك الأيام أثَّرت بالكامل، أي حدث تحرُّك وغليان في الأوساط الجامعية واستمر أيضًا - لحسن الحظ - أي لم يكن شيئًا يغلي بسرعة ويخبو إنَّما يستمر. في الواقع، انطلقت في البلاد حركة ذات نقلة نوعية على الصعيد العلمي، وهذه حقيقة. بعدما طُرِحت مسألة التطور العلمي والنهضة في مضامير العلم، وأُطلقت شعارات عدة في أوساط المؤسسات الأكاديمية، انطلقت بحقّ نهضة ذات نقلة نوعية، فالمراكز العالمية للتحكيم في مجال القضايا العلمية قالت حينذاك إنَّ سرعة التطور العلمي للبلاد هو ثلاثة عشر ضعفًا أو اثنا عشر ضعفًا لمعدل سرعة التطور العالمي! من الطبيعي أنَّ هذه مسألة مهمة للغاية، وقد تحقق هذا. عرضت أنا العبدَ (3) في تلك الأيام، أي قبل بضع سنوات من الآن، لمسألة في بضع جلسات علمية وجامعية وما شابه، وكنت قد قلتُ إنه يُقال إنَّ سرعة تطورنا العلمي كبيرة لكن علينا ألّا نصير مغرورين بهذا، وهو أنَّ سرعة تطورنا الآن كبيرة إلى هذا الحد، لأنَّه مع وجود سرعة التطور هذه، لا نزال متأخرين في العلم. نحن متأخرون من الناحية العلمية مقارنة بدنيا العلم. بالطبع وضَّحتُ «كوننا متأخرين» هذه في حالات بعينها، ولا أريد بعدُ التكرار أو القول. نحن متأخرون، وسبب «كوننا متأخرين» أنه في مرحلة طويلة خلال عهد حكومة الطواغيت والسلاطين الظالمين والمستبدين – البهلويين أو القاجاريين – كان هذا البلد الذي يتمتَّع بذلك التاريخ العلمي والثقافي في آخر قائمة المرتبة العلمية للعالم. لم يكن يملك شيئًا، ولم يكن شيئًا يُذكر.
 

أريد اليوم أن أقول هذا: علينا أن نجهِّز أنفسنا للدخول في مرحلة جديدة من النهضة العلمية. صحيح أن النقلة النوعية العلمية تحقَّقت، وكانت جيدة، وقد حصلنا على مراتب علمية عالية في بعض المواضع، ومرتبتنا العلمية في العالم مرتبة جيدة نسبيًا – هذا صحيح – لكننا نحتاج اليوم إلى نهضة مبتكرة على يد المؤسسات العلمية للبلاد حتى لا نتخلَّف. لقد انطلقنا لكنَّ الآخرين أيضًا انطلقوا. حتى إنَّ عددًا من دول المنطقة تحفَّزت للتحرك بعد مشاهدة تقدُّم إيران، في حين أنها كانت متخلِّفة. حينما ننظر اليوم إلى الأرقام، نرى أنَّ هؤلاء تقدَّموا كثيرًا. ثمة خشية من أن نتخلَّف عن السباق العلمي للعالم. هذه الخشية موجودة بقوَّة. أنتم تعلمون وقد قلتُ مرارًا أنا العبدَ: «العِلمُ سُلطانٌ» (4). إذا أردنا أن تبقى البلاد مُحصَّنة وبمنأى عن الأضرار المعروفة في دول العالم، فالعمل المهم في الدرجة الأولى هو التطور العلمي. وإذا تأخرنا، فسنكون عرضة للضرر. علينا أن نبذل جهدًا لكيلا نتخلَّف. هذه المساعي التي نقول بضرورة بذلها لكيلا نتخلَّف تشمل أولًا الاستثمار المادي، أي فلتستثمر الحكومة في مجال المسائل العلمية والتقدُّم العلمي، وقد قلنا مرارًا: هذا ليس إنفاقًا إنما استثمار، وفي الواقع هو تمهيد لعوائد مضاعفة: عوائد مضاعفة وبِأُسٍّ مضاعف، وكذلك أن نفرض ونمهِّد كي يستثمر القطاع الخاص في المجال العلمي. إذًا، الاستثمار المادي ضروري كما في أصناف الابتكارات العلمية. فلتسعَ الأوساط العلمية من أجل الابتكار والإبداع وتحرِّي الطرق المختصرة.يجب أن نكرِّس همَّتنا لهذا. ثمَّة ضرورة لاستثمار مزدوج: مادي ومعنوي. بناء عليه كلمتي الأولى هي:
 

 أنَّ الوسط العلمي للبلاد ونخب البلاد يحتاجون اليوم إلى حركة ونهضة جديدة، وأن تحدث هذه النهضة الجديدة بالاستعانة بمواكبة هذه الحكومة وتعاون المسؤولين الشباب الحاضرين داخل هيكل الحكومة، وهذه همَّتكم يا مجموعة النخب، إذ يحضر منكم الآن ههنا نموذجٌ عن تلك المجموعة. هذه كلمتنا الأولى.

الموضوع الثاني، أو النقطة الثانية، عن الفرصة الحالية لبلادنا. نعم، في وسع شعبٍ يتمتَّع بالموهبة أن يترقَّى لكن ليس الأمر أنه يمتلك دائمًا فرصة الترقّي. لا أريد أن يقع سوء فهم في ما يخص المستقبل. لا، في رأيي أنا العبدَ إنَّ المستقبل مستقبل مشرق ويبث الأمل، والأفق أفق مشرق، غير أن تجاربنا أنفسنا وماضينا يقول لنا إن علينا أن نستفيد من الزمن الحالي، وأن نستفيد بأقصى حد من الوضع والفرصة الموجودة. يحدث أحيانًا أن تعرض منحدرات حادة لمسير شعبٍ – في كل القطاعات: القطاع السياسي والاجتماعي والعلمي – وتوجد إرادة المضي قدمًا والصعود من هذه المنحدرات، إنَّما لا توجد القدرة. يكون الأمر أحيانًا كذلك لأنَّ البنى التحتية اللازمة غير موجودة، والإمكانات اللازمة غير موجودة، فالإرادة موجودة والقدرة لا. حتى الإرادة تكون غير موجودة أحيانًا بسبب اليأس، وقلة الثقة بالنفس، وقلة الإيمان بالقدرات الذاتية أو فقدان المعرفة بالظرف. بناء عليه تعرض أحيانًا حالات تكون فيها حتى إرادة الحركة غير موجودة. حتى أحيانًا كما في عهد الطاغوت يرون التقدُّم أو الصعود من هذا المنحدر الحاد غير ممكن أصلًا! حقيقةً وقعت مواقف في عهودنا الماضية كانوا يقولون فيها: أساسًا غير ممكن. قصة إبريق الماء الفخاري الخاصة برئيس وزراء زمن الشاه معروفة (5) وقد سمعتموها. حينما بدأ الحديث عن صناعة النفط والاستقلال النفطي للبلاد وتأميم صناعة النفط – قبل أن يأتي مصدِّق إلى الحكم، في عهد طفولتي أنا العبدَ، لكنني أذكر – كان حينذاك في «مجلس الشورى الوطني» أقليَّة بزعامة الدكتور مصدِّق، وكان هؤلاء يصرُّون على أنَّ علينا تأميم صناعة النفط. لقد كان نفطنا بأيدي الإنكليز وكانوا يقولون: فلنُأمِّم هذا. ألقى رئيس وزراء البلاد يومذاك خطبة وقال: ماذا يقول هؤلاء الذين يقولون فلنأمم صناعة النفط؟ وهل في وسع الشعب الإيراني أن يدير النفط؟ نحن ليس في وسعنا صناعة إبريق ماء فخاري بشكل صحيح. أنتم تعلمون ماهية إبريق الماء الفخاري؟ هو إبريق ماء مصنوع من الفخار. كنت قد رأيته. كان القدماء يصنعون في القرى إبريق ماء لا من النحاس أو مثلًا التنك وما شابه وكان متداولًا بل من الفخار. كان يقول: نحن [صناعيًا] على مستوى مرشّ ماء فخاري، فهل في وسع الإيراني أن يدير النفط؟ غدا هذا [الكلام] معروفًا آنذاك. فما كان النفط آنذاك الذي كان من المقرر إدارته؟ مصفاة آبادان هذه هي ذلك الشيء الذي كان يجب أن يُدار. كانوا يقولون: ليس في وسع الإيراني بداهةً إدارة المصفاة! لقد كان هذا هو الاعتقاد. حسنًا، إذًا تَعْرِضُ مواقف من هذا القبيل. من الطبيعي أنها ليست بتلك الشدة لكنها تضعُف إرادة التحرك في مراحل مختلفة.

 


 

إنّني اليوم حين أجوب بنظري في البلاد وعندما أنظر إلى الوضع العام، ألاحظ غياب هذه المشكلات، بفضل الله، أي إنّ إرادة الحركة والقدرة على التحرّك مشهودة. هذه «القدرة» التي أتحدّث عنها ليست شعارًا، فلدينا ملايين عدّة – التفتوا إلى هذه الإحصائيّة! إنّها إحصائيّة واضحة وجليّة – من الشّباب المتعلّمين أو طور التعلّم، ومن الطلّاب الجامعيّين. ملايين عدّة! هل هذه الثروة أمر هيّن؟ إن لم نقل إنّهم جميعًا ذوو دوافع، فسنقول إنّ العديد [منهم] كذلك، وهذه الروحيّة الثوريّة حاضرة في البلاد. هذه الكلمات نفسها التي ألقاها عددٌ من الشباب هنا، إذ قالوا: نحن مستعدّون ولدينا اقتراحات، لها قيمة عالية. إذًا، هناك إرادة ودوافع وإصرارٌ على التقدّم وقدرات أيضًا.حسنًا، فلنستفد من هذه الأمور. إذا لم نستفد من فرصة وجود «الإصرار والقدرة» - المتوافرة اليوم – نكون قد ارتكبنا ظلمًا. من ينبغي أن يستفيد من هذه الفرص؟ على المسؤولين أن يستفيدوا منها وكذلك النخب والمراكز العلميّة، وإذا لم نستفد منها، فسنكون قد ارتكبنا ظلمًا وظلمنا بلدنا وتاريخنا. جميعنا مسؤولون، وأنا العبدَ مسؤولٌ أيضًا، وكذلك المسؤولون الحكوميّون والتنفيذيّون، وأنتم الشبابَ، والوزراء الموقّرون للأجهزة العلميّة، ومن لديهم صلة بالمراكز العلميّة أيضًا ويتولّون المسؤوليّات كذلك. يجب أن نبذل جميعًا الجهود كي تحدث هذه الحركة العلميّة والشيء الجديد الذي أتوقّعه، أي تحرّك ابتكاري ومسارات مختزلة ومختصرة وطفرة ونهضة جديدة، وهذه المسؤوليّة على عواتقنا جميعًا.
 

بمناسبة ذكر المسؤوليّة، دوّنتُ هنا نقطة ثالثة كي أذكرها، هي أنّ العلم يُلقي بالمسؤوليّة مثل الممتلكات الأخرى كلّها وشأنه شأن الثروات الأخرى كافة. الإمكانات تحمّل المسؤوليّة، الإمكانات الفكريّة والماليّة والقوّة، هذه كلّها تُلقي بالمسؤوليّة. مقابل كلّ إمكانٍ يهبه الله المتعالي لكم يجعل ويحدّد مسؤوليّة، والعلم من بين هذه الإمكانات القيّمة. امتلاككم العلم يجعلكم مسؤولين. ما معنى «يجعلكم مسؤولين»؟ أي يجب أن تستفيدوا من علمكم بما يخدم مصالح الناس وأيضًا لا بدّ أن تسخّروا الشأن الذي يمنحكم إياه هذا العلم من أجل الناس.
 

قد يتمكّن أحد العلماء أحيانًا من توظيف الشأن الذي يملكه في المجتمع ضمن مجال خارج علمه وتخصّصه وبما يخدم مصلحة الناس. هذه مسؤوليّة. فأنتم لو اكتسبتم منزلة علميّة في العلوم النوويّة، أو الطبيّة، أو الفيزياء، أو الإدارة أو أيّ علم آخر، فإنّ هذا يوجب طبعًا مسؤوليّة عليكم في كلا الجانبين. يجب توظيف ذاك العلم في خدمة الناس وكذلك الشأن الذي تكتسبونه من أجل هذا العلم. هذه الجملة المعروفة لأمير المؤمنين (ع) في هذا الصّدد تُنهي الكلام: «وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم» (6)، أي إنّ الله المتعالي أخذ هذا العهد من العلماء بألّا يتحمّلوا في هاتين الحالتين: «کِظَّة ظالم» و«سَغَب مظلوم». يجب ألا نتحمّل جشع الجائر وجوع المظلوم، وألّا یُقِرّوا بذلك. يجب أن نبدي ردّ فعل. اليوم تقع [مسؤوليّة] ردّ الفعل على عاتقنا جميعًا في قضيّة غزّة، فيجب أن نُبدي ردّ فعل. ثمة مجموعة تعاني من الجوع، وأخرى تحت القصف، وآخرون يُستشهدون مئة تلو مئة. وسط هذه الاصطفافات المتعدّدة السائدة على مستوى العالم والبلاد على العالِم – في الجامعة أو الحوزة العلمية – أن يبذل الجهود بداية حتى يعرف الحقّ كي يتّضح ويتحدّد، وأن يقف إلى جانبه. ليس من الجائز على العالِم أن يكتفي بالنظر دون اكتراث وألّا يعير اهتمامًا.

النقطة التالية تتعلق بالطريقة العملية الرائجة، وتحدثت عنها مرات عدة، وهي مسألة المقالات العلمية. لقد تحدّثت في هذا الصدد مرتين أو ثلاثًا حتى الآن (7). تصوّرت أن التوجيهات التي قدمتها من قبل كانت كافية، أي أوفت بالغرض، [لكن] سمعت أن الأمر ليس كذلك. في رأيي إن جعل المقالة العلمية شرطًا لترقية أعضاء هيئة التدريس ليس منطقيًا. فلا يمكن للإنسان حقًّا أن يتقبّله. ليس لدي أدنى شك في ضرورة مشاركتنا وحضورنا في المسابقات العلمية في العالم لكن لا أرى من المنطق أن نوجه جميع أساتذتنا وأعضاء هيئة التدريس في جامعات بلدنا إلى أنه إذا كنت ترغب في الترقية، فعليك الذهاب وإجراء امتحان في المجلة الفلانية المعروفة في العالم أو مركز علمي مشهور عالميًا. هذا ما تعنيه كتابة المقالات، أي تحديد رتبتك العلمية وفقًا لرأي مركز معيّن.
 

نعم، كتابة المقالات أمرٌ جيّد، وأوافق تمامًا على إجراء عدد من الأساتذة البارزين في البلاد الأبحاث في مجالات تخصصهم ونشر المقالات الجديرة بالاهتمام في المجلات والمراكز العلمية المرموقة في العالم، لكن أن نجعل المقالة شرطًا للترقية، أي تعميم ذلك على الجميع، فهذا ليس منطقيًا في نظري. طبعًا يمكن للمقالات الجيدة أن تعزّز سمعة البلاد ومكانتها العلمية. [لذلك] يجب إيجاد السبل المناسبة وينبغي لأجهزة الإدارة العلمية في البلاد [إيجاد] السبل حتى لا تتدنّى السمعة والمكانة العلمية للبلاد في التصنيف العالمي.
 

بالنسبة إلى المقالات والأطروحات، قلت مرارًا (8) إن هدف المقالات العلمية والأبحاث والأطروحات يجب أن يكون مساعدةَ قضايا البلاد. هذا الهدف الرئيسي. علينا ألا ننسى هذه النقطة التي قلتها قبل بضع لحظات: المشاركة في المسابقات العلمية الدولية ضرورية لكن الهدف الحقيقي أن نحل مشكلة من مشكلات البلاد عبر هذه المقالات والبحث العلمي. هذه القضايا نفسها التي قيلت وطُرحت هنا - البيئة والطب التقليدي وصناعة السيارات - هي قضايا البلاد وهناك المئات من قبيلها، وإذا أردنا حلها عن طريق العلم وبأسلوب علمي، فنحن بحاجة إلى هذه المقالات والأبحاث. إذًا، يجب أن تركّز مقالاتنا وأطروحات طلابنا على هذه المشكلات وأن تحلّها. حقًا المجالات كلها من الصحة والسلامة والمسكن والأمن إلى التغذية والأسرة والبيئة وإلى إصلاح الهياكل الحكومية – إصلاح الهياكل الحكومية! هذا أحد المواضيع - والعلاقات الدولية كلها مجالات للعمل العلمي. هكذا ينبغي أن يكون العمل والبحث العلمي. يجب ألّا يقتصر عملنا على العمل الصحافي - وفق المصطلح الفرنسي «جورناليستي» - فيكتب شخص ما مقالة في إحدى الصحف عن العلاقات الدولية مثلًا أو القضايا السياسية ونحو ذلك. ينبغي ألا نركز على هذا، بل يجب أن يُنجز عمل علمي صحيح.
 

النقطة الأخيرة في هذا الصدد هي واجب المسؤولين. ولحسن الحظ السادةُ الوزراء والمعاونون المحترمون ورئيس الجمهورية ومختلف المسؤولين حاضرون هنا. ما يمكنني قوله بإيجاز في هذا الصدد: على المسؤولين أن يفعلوا ما من شأنه أن يُشعر النخبة بأنها مفيدة، وأن تشعر بكونها مفيدة. من أسباب هذه الهجرات والمغادرات التي يجري تداولها الآن عبر الأفواه والصحف - يبالغ بعض الأشخاص قليلًا في هذا الصدد – أن هذه النخبة تشعر أن لا عمل لها هنا. لقد قلت في ملاحظات سابقة (9) إن النخبوي لديه توقعان من جهاز إدارة البلاد: الأول أن يكون لديه عمل ويعمل، والثاني أن يتمكن من مواصلة المطالعات والدراسة. من الأمور التي تدفع النخب على المغادرة أن هناك إمكانية للأبحاث والتقدم ونحو ذلك، فلنوفر لهم هذه الإمكانية للعمل هنا. أريد أن أقول اليوم: [إذا] لخصنا توقعات النخبة، تكون [الخلاصة] أن النخبة تريد أن تشعر بأنها مفيدة في البلاد.
 

هناك طرق لهذا العمل. اليوم، ولحسن الحظ، جرى الحديث عن هذه الشركات القائمة على المعرفة مرتين أو ثلاثًا، ودوّنت ذلك أيضًا. إن من أفضل الطرق التي تجعل النخبة تشعر بأنها مفيدة تأسيس شركات قائمة على المعرفة، فهذه الشركات توفر التقدم الاقتصادي للبلاد وتوجِد الحيوية في البلاد أيضًا، وكذلك تهبُ التقدم العلمي للبلاد، وتحافظ على النخب، ويستفاد من وجود النخب في البلاد. لذلك إنني أؤكد تعزيز الشركات القائمة على المعرفة. من طرق تعزيزها ألّا تُستورد منتجات هذه الشركات من الخارج بعد الآن. وصلتني في المدة الأخيرة عدة تقارير فيها شكوى ومفادها أن الشركة المعرفية تقول: نحن ننتج هذا المنتج والجهة الإدارية الفلانية المستهلكة لهذا المنتج تستورده من الخارج. لماذا؟ ينبغي أن نتعلم ونعتاد استخدام المنتج المحلي، خاصة أن الجهات الحكومية تكون غالبًا بين الزبائن المهمين لهذه المنتجات. هذه القضية التي تتكرر بهذا الحجم مخاطبها الأول هو نحن، والمسؤولون أنفسهم، والأجهزة والدوائر الحكومية. على هؤلاء استخدام المنتجات المحلية وفي المقام الأول منتجات الشركات القائمة على المعرفة.

 


 

حسنًا، انتهى حديثنا. سوف أتحدّث باختصار عن القضايا الجارية في فلسطين وغزة. الماثل أمام أعين العالم أجمع في قضيّة فلسطين هو ارتكاب الكيان الغاصب جرائم إبادة، والعالم كلّه يشاهد ذلك.لقد تحدّث المسؤولون في بعض الدول مع مسؤولي بلادنا، وكان اعتراضهم في معرض الدفاع عن الكيان الصهيوني الغاصب: لماذا قتل الفلسطينيّون المدنيّين الصهاينة؟ أولًا إنّه كلامٌ مغايرٌ للواقع، فمَن يسكنون في المستوطنات ليسوا مدنيين وجميعهم مسلحون أصلًا. لنفترض أنّهم مدنيون! كم عدد المدنيّين الذين قُتلوا؟ يقتل هذا الكيان الغاصب الآن مئات أضعافهم من النساء والأطفال والشيوخ والشباب المدنيّين في أبنية غزّة، فالعسكريّون لا يسكنونها بل يتموضعون في مواقعهم، والصهاينة يعلمون هذا أيضًا، وأن هؤلاء هم الناس أنفسهم. يختارون الأماكن المكتظّة بالسكّان ويقصفونها. لقد قدّم الفلسطينيّون آلاف الضحايا في غزّة حتى الآن، في غضون هذه الأيّام القليلة! هذه الجريمة ماثلة أمام أعين النّاس جميعًا في العالم. تجب محاكمة هؤلاء. يجب أن تُحاكم اليوم حكومة الكيان الصهيوني الغاصب حتمًا. أولئك يجب أن يحاكموا، وعلى الحكومة الأمريكية أيضًا أن تدرك مسؤوليتها في هذا الأمر. وفق المعلومات المتعددة التي تصلنا إنّ السياسة الحاليّة القائمة خلال هذه الأيام، أي خلال الأسبوع الأخير داخل الكيان الصهيوني، يرسمها الأميركيون، أي يضعون السياسات بأنفسهم.هذه الممارسات التي تقع هي سياسة الأمريكيّين. فليتنبّه الأمريكيّون إلى مسؤوليّتهم. إنّهم المسؤولون. يجب أن يتوقف القصف فورًا.الشعوب المسلمة غاضبة وغاضبة بحقّ. أنتم تلاحظون علامات ذلك، والتجمّعات الشعبيّة ليست في الدول الإسلاميّة فقط، [بل] في لوس أنجلوس وهولندا وفرنسا أيضًا. يحتشد الناس في الدول الأوروبيّة والغربيّة من المسلمين وغير المسلمين، ومن الواضح حال الدول الإسلامية طبعًا؛ النّاس غاضبون. إذا ما استمرّت هذه الجريمة، فإنّ المسلمين سيضيقون ذرعًا ولن تطيق قوى المقاومة ذلك، ولن يتمكّن أحدٌ أن يوقفهم. فليعلموا هذا الأمر. يجب ألا يتوقّعوا من أحد [ويقولوا] ألا تسمحوا للمجموعة الفلانيّة أن تفعل كذا أو كذا، فلن يتمكّن أحدٌ أن يوقفهم عندما يضيقون ذرعًا. هذه حقيقة قائمة. طبعًا ومهما فعل الكيان الصّهيوني، فلن يستطيع أن يعوّض الهزيمة الفاضحة التي تلقّاها في هذه القضيّة. حسنًا (10)، ها أنتم قد تفضّلتم بالجملة الأخيرة. شكرًا لكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1- في بداية هذا اللقاء، أبدى سبعة من النخب آراءهم ووجهات نظرهم، وقدم تقريرًا السيد روح الله دهقاني فيروز آبادي (معاون رئيس الجمهورية للعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد القائم على المعرفة، ورئيس المؤسسة الوطنية للنخب).

2- معاونية التنمية الريفية والمناطق المحرومة في البلاد.

3- من جملتها كلمته في لقاء رؤساء الجامعات ومراكز الأبحاث ومراكز الارتقاء وحدائق العلم والتقنية، 11/11/2015.

4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج. 20، ص. 319.

5- صرخ الفريق حاج علي رزم آرا، وهو رئيس الوزراء آنذاك في النظام البهلوي، وكان قد وصل إلى هذا المنصب في شهر تير (ما بين 22 من حزيران/يونيو و21 تموز/يوليو) عام 1950، في بعض نواب المجلس في سلوكٍ مستبدّ. وفي ردِّه على مطالبتهم بتأميم صناعة النفط، وبهدف إثبات عجز الشعب الإيراني عن إدارة موارده النفطية، قال: «إنَّ الشعب الذي يفتقد جدارة صناعة إبريق الماء الفخاري كيف يستطيع إدارة صناعة النفط؟».

6- علل الشرائع، ج. 1، ص. 151.

7- من جملتها كلمته في لقاء مع النخب العلمية، 18/10/2017.

8- من جملتها كلمته في لقاء جمع من أساتذة الجامعات والنخب والمحققين، 10/6/2018.

9- في كلمته خلال لقاء مع النّخب وأصحاب المواهب العلميّة المتفوّقة، 19/10/2022.

10- هتاف الحضور: «الموت لإسرائيل».

 

في إطار استكمال إجراءات انتقال المعاهد الجديدة من مؤسسة الشهيد إلى كنفها وإدارتها، نظمت المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم لقاءً عامًا لكوادر معاهد المهدي(ع) المنضمة إلى صروحها التربوية، معهد الرسول الأعظم(ص) التقني، ومعهد الشيخ راغب حرب التقني، بالإضافة إلى معهد السيد عباس الموسوي المنضم سابقًا.

 

حضر اللقاء مجلس إدارة المؤسسة ووفد مؤسسة الشهيد ضمّ مستشار المدير العام سماحة الشيخ يوسف عاصي، المدير التعليمي الأستاذ عباس موسى، المسؤول التربوي في بيروت الأستاذ عيسى مرعي، مدراء معاهد المهدي(ع) والمعاونين وحوالي 140 من الكادرين الإداري والتعليمي.

 

 

افتتح اللقاء بآيات بينات من القرآن الكريم ومقطع من دعاء الندبة للأخ القارئ حسين كريم، تلاها عرض فيلم العيد السنوي الـ 30 للمؤسسة بعنوان "ريادة واقتدار" من إنتاج مديرية العلاقات العامة والإعلام.

 

 

بعدها كانت كلمة لرئيس جمعية المؤسسة الدكتور حسين يوسف رحب فيها بالحاضرين في صروح المؤسسة، شاكرًا لمؤسسة الشهيد ثقتها معتبرًا أن المؤسسة ستراكم الإنجازات التي حققتها مؤسسة الشهيد سابقًا، ومؤكدًا أن "كل مؤسساتنا هي فروع من شجرة طيبة وأن هذه المعاهد تنتقل من غصن إلى غصن في شجرة الولاية".

 

 

 

وأضاف يوسف: "إن أصل مقاربتنا لموضوع التعليم المهني والتقني تتصل بالتربية وصناعة الإنسان وهي جزء من مشروع ورؤية واضحة ترتبط بصاحب العصر والزمان(عج) وبالمشروع الحضاري".

 

وتابع: "إن رؤيتنا هي أن تحمل المعاهد والتعليم المهني دورًا في بناء أرضية مناسبة لتنمية الاقتصاد وتعزيز المهن ومختلف القطاعات الزراعية والصحية والخدماتية وغيرها".

 

 

وتوجه للكادر قائلًا: الأصل في كل ذلك أن يحمل كادرنا مشروعنا ونحن من جهتنا نعدكم بتقديم كل ما نستطيع لناحية رعايتكم ودعمكم".

 

بعد ذلك كانت كلمة لممثل مؤسسة الشهيد سماحة الشيخ يوسف عاصي أثنى فيها على عمل المؤسسة وتمنى للمعاهد المنضمة إليها كل التوفيق في كنفها وتحت إدارتها مؤكدًا أن كل المؤسسات تتكامل في ما بينها في خدمة المشروع الحضاري ومشروع التمهيد لصاحب العصر والزمان(عج).

 

وفي ختام اللقاء جرى توزيع شهادات مشاركة وإنهاء دورات للكادر الذي خضع لدورات وورش تدريبية في المؤسسة في الفترة الانتقالية، كما جرى أخذ الصور التذكارية.

   

الرزنامة


آذار 2024
الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت
25 26 27 28 29 1 ٢٠ 2 ٢١
3 ٢٢ 4 ٢٣ 5 ٢٤ 6 ٢٥ 7 ٢٦ 8 ٢٧ 9 ٢٨
10 ٢٩ 11 ٠١ 12 ٠٢ 13 ٠٣ 14 ٠٤ 15 ٠٥ 16 ٠٦
17 ٠٧ 18 ٠٨ 19 ٠٩ 20 ١٠ 21 ١١ 22 ١٢ 23 ١٣
24 ١٤ 25 ١٥ 26 ١٦ 27 ١٧ 28 ١٨ 29 ١٩ 30 ٢٠
31 ٢١ 1 2 3 4 5 6
لا أحداث

مواقع صديقة

Image Caption

جمعية المبرات الخيرية

Image Caption

مؤسسة امل التربوية

Image Caption

مدارس الامداد الخيرية الاسلامية

Image Caption

المركز الاسلامي للتوجيه و التعليم العالي

Image Caption

وزارة التربية والتعليم العالي

Image Caption

جمعية التعليم الديني الاسلامي

Homeمساحة الدراسات و الابحاث التربويةطلب العلم ضرورة لتهذيب النفس
situs togel http://jeniferseo.my.id/ situs togel https://seomex.org/ situs togel toto 4d dentoto togel4d https://www.sabalansteel.com/ togel 4d situs toto https://dentoto.link/ https://dentoto.cc/ https://dentoto.vip/ https://omtogel.art/ https://dentoto.live/ situs togel situs toto toto 4d dentoto https://tfts.org/ https://152.42.182.72/ situs toto situstoto https://www.gala.itone.lu/ https://128.199.107.156/ https://panamerica.capuchinhos.org.br/ dentoto